[ل ٦] الحمد لله الذي خلَقَ الجنَّ والإنسَ لِيعبُدوه، وتعرَّف لهم لِيقصِدُوه، وأرسَلَ إليهم رُسُلًا منهم بالبيِّنات ليوحِّدوه. وأوجَبَ عليهم عبادتَه بما شرَعَ لهم من الأعمال الصالحة، وحثَّهم على مكارم الأخلاقِ وحذَّرَهم من مَذامِّها الفاضحة. وأحلَّ لهم الطيباتِ وحرَّم عليهم الخبائثَ، وأعدَّ الجنَّةَ ونعيمَها للمصلحين، والنارَ وجحيمَها لكلِّ عائث. أحمده سبحانه وتعالى وأشكره على جزيل الفضل والإنعام، وأتوبُ إليه وأستغفرُه من جميع الذنوب والآثام.
وأشهد ألَّا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ سيِّدَنا محمدًا عبدُه ونبيُّه، بالهدى ودين الحق أرسَلَه. اللهمَّ فصلِّ وسلِّم على رسولك مولانا محمدٍ خيرِ إنسان، وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار والتابعين لهم بإحسان.
أما بعد، عبادَ الله، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله كما أوصاكم، وانتهُوا عما عنه نهاكم. وبادِروا آجالَكم بأعمالِكم، واقطعوا آمالَكم بتوقُّع آجالِكم. واعلموا أنه لا سبيل إلى البقاء، ولا سبيل غير النعيم أو الشقاء.
ابنَ آدم، استيقِظْ من غمرة الغفلة، ولا تغُرَّنَّك هذه المهلة، فكأنَّك بهاذمِ اللذَّات قد نزلَ عليك، واختطَفَ نفسَك من بين جنبَيك، فتخلَّف عنك أهلُك وإخوانُك ومالُك، ولازمَتْك يا مسكينُ أعمالُك، فدُفِنْتَ في حُفرتك وحيدًا، ووجدتَ ما قدَّمتَه لربك عتيدًا. فلا تصرِف همَّك إلى ثِقَل التُّراب والأحجار، بل إلى ثِقَلِ الذُّنوب والأوزار. ولا تهمَّنَّك (١) مصيرُك جِيفةً
(١) كذا في الأصل. ولعله نظر في تأنيث الفعل إلى الجيفة والدود.