[ص ١٦] قد تبيَّن من هذه المقدمة قيام حجة الله تعالى على كلِّ إنسان، أولًا من حيث الخِلقة، وثانيًا من حيث الفطرة، وثالثًا من حيث الدعوة. وتَبيَّن لك أيضًا قيامها علينا كقيامها على أهل القرن الأول؛ لأن الكتاب والسنة محفوظان بين أيدينا، والمعجزة قائمة، واللغة معروفة. [أما القرآن فبالتواتر القطعي، وأما السنة فبالنقل الذي تقوم به الحجة، وكذلك ما يتوقف فهم الكتاب والسنة عليه من علوم اللغة فإنها مدوّنة](١).
وقد ضرب الله تعالى في القرآن من كل مثل، وضمَّنه أكملَ الهدى، ولاسيما في الدعوة إلى توحيده ومعرفته وإخلاص العبادة له، وأرشدَ فيه إلى التفكر في آيات الآفاق والأنفس، وهذا هو متعلَّق الاعتقاد، وبه تتعلق المسألة الثالثة، وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى.
وقد جاء فيه وفي السُّنَّة تفصيلُ أحكام الشريعة المتكفلة بمصالح العباد إلى يوم القيامة، بحيث لا يحتاجون إلى إحداثِ شيء، فمهما أحدثوه في الدين مما لا يوافق الكتاب والسنة فهو بدعةُ ضلالةٍ، مخالِفةٌ للمصلحة في الحقيقة. وهذا متعلَّق المسألة الثانية، وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى.
ولما كان معرفة الدليل من الكتاب والسنة متوقِّفًا على العلم بهما، لجواز أن يكون له ناسخ أو معارِض أو مخصِّص أو مقيِّد أو مبيِّن أو صارفٌ عن ظاهره، وعلى معرفة علوم اللغة، إذ لا يحصُلُ الوثوق بالفهم إلّا بعد معرفتها كما لا يخفى= وجبَ أحدُ أمرين: