قولهم:«أرأيتك» أنها بمعنى أخبرني، فيه نظر. والظاهر أنها على أصلها، بمعنى: أعرفت كذا وكذا؟ والمقصود بها حمل المخاطَب على استحضار ذلك الشيء.
وقد تستعمل في هذا المعنى مع الكاف وبدونه.
فمن الأول: قوله تعالى ــ حكاية عن إبليس ــ: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ}[الإسراء: ٦٢].
أراد ــ والله أعلم ــ: أعرفته؟ وهو يعلم أن الله عز وجل يعرفه، وإنّما أراد بذلك شِبه ما تريده من صاحب زيد (١) إذا قلت له: «أرأيتك زيدًا؟ لأقتلنَّه!»؛ تريد من استفهامه التوسل إلى إحضاره في ذهنه أوّلاً حتى تحكم عليه.
ومنه قوله تعالى:{أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[الأنعام: ٤٠]. المعنى ــ والله أعلم ــ: أعرفتم فرض مجيء عذاب الله أو الساعة؟ أراد: أحضروا هذا الفرض في أذهانكم. ثم قال:{أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ} أي: حينئذ. ففي الآية حذف وتقدير لا يخفى.
ومن الثاني: قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى}[النجم: ١٩]، {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ}[الواقعة: ٥٨]، {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ}[الواقعة: ٦٣]، {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ}[الواقعة: ٦٨]، {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ}[الواقعة: ٧١]. كأنّه قال: أحضروا هذا الشيء في أذهانكم، كما تقدم.