للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومعنى الحديثين واحدٌ، فإنّ قوله في الأول: "وإذا وعد أخلفَ" يشمل قوله في الثاني: "وإذا عاهد غدر" فما في الأول مطلقٌ، وما في الثاني مقيَّدٌ.

وقد يقال: يُحمل المطلق على المقيّد ــ كما هو مقرّر في الأصول ــ فعليه لا يكون إخلاف الوعد آيةً للنفاق إلا إذا غدر بعهدٍ، وهذا هو الموافق لمذهب الشافعيّة: أنّ الوفاء بالوعد لا يجب.

فأمّا قوله تعالى في الثناء على إسماعيل ــ عليه السلام ــ: {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} [مريم: ٥٤] فإنه لا يفيد إلا أنّ ذلك من الخصال المحمودة، وهي تشمل الواجب والمندوب فلا يدلُّ على الوجوب.

ويدلُّ على ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "وإذا وعد الرجل أخاه ومِن نيّته أن يفي فلم يفِ ولم يجئْ للميعاد فلا إثم عليه" رواه أبو داود والترمذي عن زيد بن أرقم (١).

ثم قوله فيهما: "وإذا حدّث كذب" يشمل قوله في الثاني: "وإذا خاصم فجر" فهو من عطف المقيّد على المطلق، وذلك يفيدُ مزيد الاهتمام بشأنه.

وبهذا تقرَّر أن معنى الحديثين واحدٌ فلا حاجة لما قاله بعضُهم: "إنّ الشيء قد يكون له علاماتٌ كثيرة" فإنّه يفيد التغاير، والتوفيق بين الحديثين أولى عند العارفين مع أنّه واضحٌ. وقد استفدنا بذلك مسألة نفيسة، ولمّا غفلوا عن نيّة التكرار وقعوا في إشكالٍ حتى قال أكثرُهم: إنّ ذلك خاصٌّ


(١) أبو داود (٤٩٩٥)، والترمذي (٢٦٣٣) وقال: "هذا حديث غريب وليس إسناده بالقوي، علي بن عبد الأعلى ثقة، ولا يُعرف أبو النعمان ولا أبو وقاص وهما مجهولان".