وقد قسّمتم الناس على فِرَق، فنبني الكلام عليها، فنقول:
أما الفرقة الثالثة، وهم الذين يجيزون التوسّل، ويجيزون الطلب من الصالحين الحاضرين الأحياء، لا على أنهم قادرون على تحصيل المطلوب بأنفسهم، بل على أنهم قادرون على تحصيل سببه، وهو الدعاء. فمعنى قولهم:«يا سيدي فلان أغِثْني أو أدركني أو الغارة» = أغثني بالدعاء، وأدركني بالدعاء، والغارة بالدعاء.
ويخاطبون الموتى عند قبورهم بناءً على أنهم يسمعون الكلامَ ويقدرون على الدعاء، وينادون الغائبين ويستغيثون بهم لا على معنى أنهم يسمعون ويُغيثون بل على معنى التوسّل.
فقولهم:«يا بدوي الغاره» يريدون به: اللهم إنا نسألك بجاه البدوي الإغاثة= فمسألة التوسّل قد مرّ ما فيها. وخلاصة القول فيها: أنه خلاف السنة، وطلب الدعاء ثابت بالكتاب والسنة، وطلب الفعل من الحيّ الحاضر بمعنى طلب الدعاء لا بأس به إذا قامت القرينةُ على المراد، فأما إذا لم تقم قرينة فالعمل على الظاهر، وهو أن الطالب يعتقد أن المطلوب منه يقدر على تحصيل المطلوب. وسيأتي ما في هذا.
ثم إن قول ما ظاهره كفر محظور في الشرع وإن كان القائل لم يرد به ظاهره.
وأما خطاب الموتى عند قبورهم وسؤال الدعاء منهم صريحًا، فإنه يدلّ على اعتقاد أنهم يَسْمعون أو يُبلّغون ويَدْعون.