للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(٢)

[ل ٣/أ] الحمد لله (١) الذي فضَّل شهرَ رمضان على سائر الشهور، وجعَلَه شهرَ التشبُّهِ بملائكته، وربيع طاعته ومغتنم الأجور. وأشهد ألَّا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ سيِّدنا محمدًا عبدُه ونبيُّه، بالهدى ودين الحق أرسَلَه. اللهم فصلِّ وسلِّم على نبيِّك الكريم محمدٍ، وعلى آله وأصحابه والتابعين بإحسان.

أما بعد، فيا عبادَ الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله في جميع الأحوال، وقصدِ رضاه بجميع الأقوال والأفعال؛ وإياكم ومعاصيَه فإنَّها سببُ الطَّرد والنَّكال.

وهذا رمضانُ شهرُ التوبة والإقلاع، والجِدِّ والإسراع؛ أنزلَ فيه كريمَ ذكره، وخصَّه بليلةِ قدره. فطوبى لامرئٍ أحسنَ الصيام والقيام، وحَمَى جوارحَه عن موارد الآثام، وأمسَكَ عن فضول الكلام، ولم ينطق إلا بذكر الله، وذلك حقيقةُ الصيام، فاغتنَم الخيرات خيرَ اغتنام.

وبُؤسَى لامرئٍ ظلَمَ نفسَه بتركِ صيامه وقيامه، أو نام عن الصلوات أكثرَ أيَّامه، أو سوَّد صحيفتَه بأكل حرامه، أو أحبطَ عملَه بكثرة كلامه؛ متَّخذًا له شهرَ راحةٍ في الدنيا، وتنعَّم وتفنَّن بالمآكل والمشارب، ظانًّا أنَّ في إمساكِه عن الطَّعام والشَّراب طولَ نهاره أداءَ الواجب. لا والله، وإنَّما الفائزُ مَن جرَّد نفسَه للطاعة، وخلَعَ ثيابَ الرَّاحة، واشتغَلَ بالخيرات ليلَه ونهارَه؛ فإنَّ هذا الشهر أحد أركان الإسلام كالصلاة والزكاة والحج. وإنَّ الصلاة يُبطِلها لغوُ الكلام،


(١) قد صورت هذه الخطبة مكررة في (ل ٥/أ).