الدرجة الثانية: الضروريُّ من الأحكام، وهذا أيضًا مُيَسَّر؛ لأنه متواترٌ كفرض الصلوات الخمس وأعدادها.
الدرجة الثالثة: العقائد التي يَصِحُّ أصلُ الإيمان مع خُلُوِّ الذهن عنها، ولكنَّ اعتقادَ الحقِّ فيها مشروع، واعتقاد الباطل فيها قد ينافي أصل الإيمان أو يخدشُ فيه. والأمر في هذا سهل أيضًا على مَن وفَّقه الله تعالى، وذلك بأن يستمرَّ على ما يقتضيه خُلُوُّ الذهن، فإن أراد المعرفة أعدَّ لها عُدَّتها، ثمَّ يبذل وسعَه حتى تقهرهُ الحجَّةُ.
الرابعة: الأحكام الفرعية، والأمر فيها سهلٌ أيضًا، فإنه يكفي العاميَّ فتوى العالمِ والأخذُ بالأحوط ما استطاع، فإن أراد المعرفة أعدّ لها عُدَّتها ثمَّ نظر.
وبالجملة فالصعوبة في الدرجة الأولى إنما جاءت من إشاعة الشُّبَهِ والبدع، فمتى رُزِقَ العامَّةُ دولةَ حقٍّ تَسُدُّ عنهم ذلك استراحوا كما كان في أوائل الإسلام، وقصة عمر مع صبيغ بن عسل معروفة (١)، فإن لم يكن ذلك
(١) يعني صَبِيغ بن عِسْلٍ الحنظليَّ. وقصَّته مع عمر رضي الله عنه وردت من طرقٍ متعدِّدةٍ وبألفاظٍ مختلفةٍ. منها: ما أخرجه الدارميُّ من طريق سليمان بن يسارٍ، أن رجلًا يُقال له صَبِيغٌ قدم المدينة، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فأرسل إليه عمر رضي الله عنه ــ وقد أعدَّ له عراجين النخل ــ، فقال: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صَبِيغٌ، فأخذ عمر عرجونًا من تلك العراجين فضربه، وقال: أنا عبد الله عمر، فجعل له ضربًا حتى دمي رأسه، فقال: يا أمير المؤمنين حسبك، قد ذهب الذي كنتُ أجد في رأسي. وأخرجه أيضًا من طريق نافعٍ بسياقٍ أتمَّ. سنن الدارميِّ، المقدِّمة، باب مَن هاب الفتيا وكره التنطُّع والتبدُّع، ١/ ٢٥٢ و ٢٥٤، ح ١٤٦ و ١٥٠. وانظر: الشريعة للآجرِّيِّ ١/ ٤٨١ - ٤٨٤، ح ١٥٢ - ١٥٣، الإبانة لابن بطَّة ١/ ٤١٤ - ٤١٥، ح ٣٢٩ - ٣٣٠، اعتقاد أهل السنَّة للالكائيِّ ٤/ ٦٣٤ - ٦٣٦، ح ١١٣٦ - ١١٤٠، ذم الكلام للهرويِّ ٤/ ٢٤٢ - ٢٤٤، ح ٧٠٦ - ٧٠٧، الإصابة ٥/ ٣٠٦ - ٣٠٧، الدر المنثور ٢/ ١٥٢ - ١٥٣.