للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما رابعًا: فقد أثبتها في كتبه، أو أثبت مقتضاها مَنْ عاصر المحنة وعرف ما لها وما عليها كيعقوب بن سفيان والبخاري، وهل يتَّهم البخاريَّ إلا مجنون!

وأما خامسًا: فإن تلك المشادّة لم تقتصر على أصحاب الحديث، بل كان لأصحاب أبي حنيفة النصيب الأوفر من اختلاق الحكايات في مناقبه. بل جاوزوا ذلك إلى وضع الأحاديث كحديث: "يكون في أمتي رجل اسمه النعمان، وكنيته أبو حنيفة. هو سراج أمتي، هو سراج أمتي، هو سراج أمتي". وزاد بعضهم فيه: "وسيكون في أمتي رجل يقال [١/ ٢٠] له محمد بن إدريس، فتنته على أمتي أضرُّ من إبليس" (١).

وتناول الأعاجم هذه الفرية، فاختلقوا لها عدة طرق، وقبلها علماء الحنفية واحتجُّوا بها، حتى إن البدر العيني شارح "صحيح البخاري" الذي يحاول الأستاذ تفضيله على الحافظ الشهاب ابن حجر، ويقول في تفضيل شرحه على "فتح الباري": "وليس الشهاب كلّ حين بثاقب، بينما البدر ملتمع الأنوار من كل جانب" (٢). ذكر العيني تلك الطرق ثم قال كما نقله الأستاذ في "التأنيب" (ص ٣٠): "فهذا الحديث ــ كما ترى ــ قد رُوي بطرق مختلفة (بل مختَلَقة) ومتون متباينة ورواة متعدّدة عن النبي عليه الصلاة والسلام. فهذا يدل على


(١) أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات" (٨٧٠ و ٨٧١) وغيره، وهو متفق على وضعه.
(٢) لا أحب أناقش الأستاذ في هذا، فإنه يعرف حقيقة الحال، والله المستعان. [المؤلف].
أقول: ذكر هذا الكوثري في تعليقه على "لحظ الألحاظ ذيل تذكرة الحفاظ" لابن فهد (ص ٣٣٤).