[ص ١٦٣] وأما مستفتي المقلِّد فإنه قلَّده في المسألة من أصلها، مع أنه مثله مقلِّد، وليتَه كان مقلِّدًا فحسب، بل هو مقلِّد في المسألة من أصلها لمقلِّدٍ كذلك لمقلِّدٍ كذلك لمقلِّدٍ كذلك، وهَلُمَّ جرًّا.
والفرق مثل الشمس ظاهر، فإن صاحبنا يذهب يعمل بتلك الآية التي تلاها عليه المجتهد وفهَّمه دلالتَها بقدر الإمكان، أو بالحديث كذلك على سبيل الرواية الصحيحة في المتن والترجمة، وقد غلب على ظنِّه أن تلك الدلالة صحيحة معتبرة لأمرين: الأول أن الأصل عدم المعارض، والثاني أن الظاهر عدم خطأ المجتهد في إخباره بذلك على سبيل الرواية الجائزِ العملُ بها للضرورة.
وأما صاحبكم فإنه إنما يذهب يعمل بقول ذلك الفقيه، عالمًا أنه إنما أخبره بما فهمه من كلام مَن قبله، وأن الذين قبله إنما قالوا بما فهموه من كلام مَن تقدمهم، وهلمَّ جرًّا.
فأيهما أولى بالحق وأقربُ إلى الدين؟
[ص ١٦٤] مع أن العمل بقول المفتي بدون أن يذكر دليله بدعة مخالِفةٌ لما كان عليه العمل في خير القرون، والتزام العمل بقولِ مفتٍ واحدٍ في جميع الأعمال بدعةٌ أخرى أشدُّ، فالأئمة الأربعة رحمهم الله إنما كانت فتواهم على عادة السلف، وهكذا من كان في زمانهم وبعده.
نقل السيوطي في رسالته في الاجتهاد (١) فيما نقله عن ابن حزم ما
(١) "الردّ على من أخلد إلى الأرض وجهلَ أن الاجتهاد في كل عصرٍ فرض" (ص ٥٦ - ٥٩) ولم أجد النصَّ في كتب ابن حزم المطبوعة.