للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القرآن كلام الله غير مخلوق]

هذه القضية كانت بغاية الوضوح في عهد السلف، ثم جحدها الزائغون، ثم التبس الأمر فيها على بعض الناس. وقد كفى فيها وشفى ما بيَّنه إمامُ السنة أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، [٢/ ٣٦١] ثم ما حرَّره الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، ثم ما حقّقه ونقّحه شيخُ الإسلام أبو العباس تقي الدين ابن تيمية. ولكن لا أخلي هذه الرسالة عن إشارة إلى ذلك، فأقول:

العقول الفطرية قاضية بأن لله تعالى الكمال المطلق والقدرة التامة، وأنه متى شاء أن يتكلم الكلام الحقيقي المعروف بعبارة وحرف وصوت تكلَّم كيف شاء. ثم جاءت كتب الله تعالى ورسله بإثبات أنه سبحانه تكلَّم ويتكلَّم، وكلَّم ويكلِّم، وقال ويقول، ونادى وينادي، وأن القرآن هذا المعروف كلامُ الله على الحقيقة الحقة. وقد أخبر الله تعالى أن الجمادات قد تتكلَّم كلامًا حقيقيًّا، وأن أعضاء الإنسان تنطق يوم القيامة فتشهد عليه. وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يسمع تسليم الحجر والشجر عليه، وأسمَعَ أصحابَه تسبيحَ الحصى. فكان من المعلوم عند الناس أن التكلُّم بالعبارة والحرف والصوت ليس موقوفًا على الآلات التي يتكلم بها الإنسان، بل قد يتكلم المخلوق بغيرها، فكيف الخالق عز وجل؟ فلم يلزم من تكلُّم الله عز وجل أن يكون له جوف أو غيرُ ذلك مما هو منزَّه عنه.

ثم جحد الزائغون كلام الله عز وجل، وحاولوا تحريف معاني النصوص التي لا تحصى تحريفًا ليس بخير من التكذيب الصريح، بل لعله شرٌّ منه. ثم حاول بعض الناس التلبيسَ، فحمل النصوص على كلام نفسي ليس بعبارة ولا حرف ولا صوت، بل زاد أنه معنى واحد لا تنوُّع فيه ولا تعدُّد، فلا أمر فيه ولا