للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثالثًا: عموم القول لا يستلزم عموم التسوية للصفات. فإذا قيل: سواء زيدٌ والأسد، لم يُفهم منه إلا التسوية في بعض المعاني، وهي الشجاعة. فالتسوية بين القول والبَعَر إنما هي في عدم الاعتداد، فمعنى تلك الكلمة إنما هو أن أحمد لا يعتدُّ بقول أبي حنيفة دليلًا أو خلافًا، كما لا يعتدُّ بالبعر مالًا. فأما عدم اعتداده به دليلًا فلا غبار عليه، ولا يقول أحد: إن قول أبي حنيفة دليل شرعي يلزم مَن بعده من المجتهدين الأخذُ به. وأما عدم الاعتداد به خلافًا، فكما قاله بعضهم في قول داود الظاهري (١). فلو كلَّف الأستاذُ نفسَه الاتزانَ لَحمَلَ الكلمةَ على عدم الاعتداد دليلًا، ثم يقول: فإن أراد عدم الاعتداد بقول أبي حنيفة خلافًا، فغير مسلَّم له ....

[١/ ١٦٩] هذا، وقد ثبت عمن لا يحصى من الأئمة من عظيم الثناء على أحمد ما لم يُثنوا به على أحد من الأئمة، كما يعلم من كتاب ابن الجوزي و «تاريخ بغداد» وغيرهما.

وأكتفي ههنا ببعض ما في «تهذيب التهذيب» (٢):

قال إبراهيم بن شمَّاس: سمعت وكيع بن الجراح وحفص بن غياث يقولان: ما قدم الكوفةَ مثلُ ذاك الفتى ــ يعنيان أحمد. وقال القطان: ما قدم عليّ مثل أحمد. وقال مرّةً: حبر من أحبار الأمة ... وقال عبد الرزاق: ما رأيت أفقه منه ولا أورع. وقال أبو عاصم: ما جاءنا من ثمة أحدٌ غيره يحسن


(١) يعني أنه لا يُعتدّ بقول الظاهرية، ذكره النووي غير مرة في كتبه، انظر «شرح مسلم»: (٧/ ٩٢ و ١٤/ ٢٩).
(٢) (١/ ٧٢ - ٧٦).