يدلّ عليه ذلك أنّها من الكبائر، وحينئذٍ فلا يخرج العمل عن كونه بدعة إلا بحجّةٍ يحصل بها اليقين، أو غَلَبة الظن المستنِد إلى يقين= بأنّ ذلك العمل من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والضعيفُ بعيد عن ذلك، ولا ينفعه ثبوتُ عمومٍ يندرج تحته، فإنّ الأمر بمطلق قيام الليل وصيام التطوع يدلّ على تساوي الليالي والأيام، فمن قام ليلة النصف من شعبان أو صام يومها رجاء ثوابٍ أعظمَ من ثواب ليلة النصف من صفر، فإن واظب عليها احتاج إلى سلطانٍ بأن من هَدْي النبي صلى الله عليه وآله وسلم المواظبة عليها، فإن لم يكن له سلطان على ذلك، فعمله بدعة، وقد علمتَ أنّ ذلك العموم لا يدلّ على ما ذكر، وأنّ الحديث الضعيف لا يصلح سلطانًا، وقس على ذلك.
ولا يُظَنّ بالصحابة والتابعين وسلف الأمة أن تفوتهم سنةٌ من سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فينفرد بها بعض الضعفاء، والمنفردُ بها إن كان واحدًا فذلك حديث غريب، وقد أَبْلَغ الأئمةُ في ذمّ الغرائب كما سلف (١).
[تَرْك النبي - صلى الله عليه وسلم - وهل هو حجة]
واعلم أنّ عامة الفضائل التي يحاول المتأخرون إثباتها بالأحاديث الضعيفة مما لم يُنْقَل من وجه صحيح أنّه عمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بها ولا أصحابه، ولا أئمة التابعين، وكثيرٌ منها لم يعمل به [ص ٢٦] مَنْ بعدهم إلى قرون، وما كان كذلك وجب الحكم بأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم لم يعملوا به ....
وفي "إعلام الموقعين": "فصل، وأمّا نقلهم لتركه صلى الله عليه وآله
(١) من هنا ضرب المؤلف على ٩ صفحات إلى أواخر [ق ٢٥ ب].