وسلم فهو نوعان، وكلاهما سنة، أحدهما: تصريحهم بأنّه ترك كذا ... والثاني عدم نقلهم لما لو فعله لتوفرت هِمَمهم ودواعيهم أو أكثرِهم أو واحد منهم على نقله، فحيث لم ينقله واحد منهم البتة، ولا حدّث به في مجمع أبدًا عُلِم أنه لم يكن".
أقول: وما نُقِل من وجه غير ثابت فكأنّه لم يُنْقَل.
ثم ذَكَر أمثلة من ذلك، إلى أن قال: "ومن ههنا يُعلَم أنّ القول باستحباب ذلك خلاف السنة، فإنّ (١) تَرْكه صلى الله عليه وآله وسلم سنة كما أن فِعْله سنة، فإذا استحببنا فِعْل ما تَرَكه كان نظير استحبابنا تَرْك ما فَعَله ولا فرق ... ".
أقول: يعني أنّ استحباب ترك السنة الثابتة تكذيب له صلى الله عليه وآله وسلم، وشَرْعٌ في الدين يناقض ما شرعَه، واستحبابُ فعلِ ما تركه كَذِبٌ على الله تعالى، وشَرْعٌ في الدين ما لم يشرعه. فأمّا إذا تركنا للتكاسل ما فَعَلَه فإنّه أهون جدًّا من استحبابنا فعل ما تركه؛ لأنّ غاية الأوّل أن يكون معصية أو مكروهًا أو خلاف الأولى، وليس فيه كذب على الله ولا تكذيب بآياته. وأمّا الثاني فهو كذب على الله وشَرْعٌ في الدين لما لم يأذن به الله، وفيه مع ذلك تكذيب فيما نصّ عليه من إكمال الدين، وفيما تكفّل به من حفظ الشريعة أو رَمْيٌ للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بأنّه لم يبلّغ ما أنزل الله إليه، أو للصحابة بأنّهم لم يبلغوا ما سمعوا، أو لأئمة التابعين أو من بعدهم. ورَمْيٌ لهم جميعًا بأنّهم كانوا مقصرين عن فضيلة من الفضائل حتى جاء هذا المبتدع فأحياها والعياذ بالله".