ومن الناس مَن يحتج في هذا الباب بآية من كتاب الله عزَّ وجلَّ أو سنة ثابتة عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ويغفل أو يتغافل عن عِدَّة آيات أو سنن أخرى تعارض استدلاله. وهذا غلط شنيع؛ فإن الكتاب والسنة كالكلام الواحد، بمعنى أن الاستدلال على مطلب من المطالب بآية أو حديث لا يتم الوثوق به إلا بعد العلم بأنه ليس في آية أخرى من آيات القرآن ولا حديث آخر من الأحاديث الثابتة ما يخالفه.
فكما أنه ليس لعاقلٍ أن يحتجَّ على حرمة الصلاة بقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}[النساء: ٤٣] ويقف على الصلاة, ولا على انتقاص النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بقول الله تعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الزمر: ٦٥] ويحذف {لَئِنْ أَشْرَكْتَ} , وأمثال ذلك= فكذلك ليس له أن يحتجَّ بقول الله عزَّ وجلَّ:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً}[النساء: ٩٢] على نفي قتل القاتل والزاني المحصن ودفع الصائل والباغي؛ لأن على هذه أدلَّةً خاصَّةً من الكتاب والسنَّة تبيِّن المراد بتلك الآية. وهذا أمرٌ واضحٌ، وإن أعرض عنه كثيرٌ من الباحثين في مسألتنا.
[٩٢] فصل
ومن الناس مَن تغلب عليه العصبيَّة للرأي الذي نشأ عليه وقَبِلَه من آبائه أو مشايخه، ويستغني بمحبته لذلك الرأي عن أن يتطلب له حجة، ويحول ذلك بينه وبين أن يصغي إلى الأدلة التي يتمسك بها مخالفه أو يتدبَّرَها، فإن