المقصود من وضع اللغات هو تسهيل سبيل التفاهم بين الأفراد ليتعاونوا على تحصيل معرفة ما يحتاجون إلى معرفته، فإن حسَّ الإنسان وقياسه بدون معونة غيره لا يكاد يكفيه، لما يحفظ به حياته.
والإشارة محدودة الفائدة؛ إذ من المعلومات ما لا يُمكن إفهامها بمجرد الإشارة، ومنها ما يمكن على وجه إجمالي مشتبه، ومنها ما يمكن تحديده ولكن بعد تعب وعناء وصرف وقت طويل، وأما ما عدا ذلك فهو قليل.
وجَرِّب ذلك بأن تدخل بلدًا لا تعرف لسانهم، ولا يعرفون لسانك، فانظر ما يكون حالك قبل أن تعرف كلماتٍ من لغتهم، على أنك في هذه التجربة [ص ٧] أحسن حالًا منك لو فرضت أنه لم توضع للناس لغة أصلًا.
هذا، ولا يخفى أن فائدة التعاون إنما تحصل إذا كان المخبر حريصًا على إفهام المخاطَب ما هو الواقع، فإذا كلَّمْت رجلًا بكلام ترى أنَّ من شأن ذلك الكلام بحسب قانون تلك اللغة مع حال المخاطب أنه إذا سمعه فهم منه معنى، فذلك المعنى إن كان مطابقًا للواقع في اعتقادك؛ فقد تحرَّيت الصدق، وأتيت بالكلام فيما هو المقصود منه، وإن كان غير مطابق للواقع في اعتقادك،
(١) سبقت الإشارة إلى الكلام في النحل. وفي النمل انظر "مفتاح دار السعادة": (٢/ ١٥٠ - ١٥٢)، و"حياة الحيوان": (٤/ ١٠٥ - ١١٩).