للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثابت، بل جرَّ بعضَ من لا خير فيه إلى الكذب، وأوقع بعضَ أهلَ الصدق في أن اتُّهم بالكذب، ومنهم السلميّ؛ فإن أكثر مطالبه التي ترجم بها في "الأربعين" استدلّ عليها بأحاديث واهية ــ كما ستراه ــ وقد كان يمكنه أن يستدلّ بما هو أثبت منها، كما سأنبّه على بعضه، ولكن الحرص على العلوّ والغرابة أوقعه في اختيار تلك الواهيات.

الأمر الخامس: إذا كان الحديث صحيحًا فلابدّ أن يكون مرويًّا في القرون الأولى كما هو واضح، لكن كانت الأحاديث أولًا منتشرة، فقد يكون الحديث مرويًّا معروفًا عند أهل الشام ولم يبلغ أهلَ اليمن مثلًا، وقِس على ذلك، فلم يزل أهل الحديث يرحلون ويجمعون، حتى كان في أوائل القرن الثالث أئمة لا يكاد يوجد حديث صحيح لا يعرفونه، كالإمام أحمد ويحيى بن معين ثم البخاري وأبو حاتم وأبو زُرعة، وحينئذٍ أُلّفت الكتب من مسانيد ومصنفات. فإذا وُجِد في كتب المتأخرين حديث لا يوجد في كتب المتقدمين فتلك علامة ظاهرة على وهنه، فإما أن يكون كذبًا خطأً أو عمدًا، وإما أن يكون مما تركه المتقدمون عمدًا لعلمهم ببطلانه.

الأمر السادس: الأحاديث التي لا توجد إلا في التواريخ وكتب الرجال عامتها ضعيفة جدًّا؛ لأن أهل التواريخ إنما يذكرونها غالبًا للطعن على الراوي الذي تفرَّد بها؛ ولهذا الأمر والذي قَبْله قال السيوطي في مقدمة "جمع الجوامع" (١) كما نقله علي المتقّي في مقدمة "كنز العمال" (٢): أن ما نَسبَه إلى كتاب "الضعفاء" للعُقيلي، أو "الكامل" لابن عدي، أو "تاريخ


(١) (١/ ٤٤ ــ ط الأزهر).
(٢) (١/ ١٠).