المحال الباطل الممتنع أن يبعث إليهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من لا تقوم عليهم الحجَّةُ بتبليغه، ومن لا يلزمهم قبول ما علموهم من القرآن وأحكام الدين، وما أفتوهم به في الشريعة ... إذ لو كان ذلك لكانت بعثته لهم فضولًا، ولكان عليه السلام قائلًا للمسلمين: بعثتُ إليكم من لا يجب عليكم أن تقبلوا منه ما بلَّغَكم عنّي، ومن حكمكم أن لا تلتفتوا إلى ما نُقِل إليكم عني ... ومن قال بهذا فقد فارق الإسلام».
والحجج في هذا الباب كثيرة، وإجماع السلف على ذلك محقق.
قال أبو ريَّة ص ٣٤:(أما عمر فقد كان أشدّ من ذلك احتياطًا وتثبتًا ... روى البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: كنت في مجلسٍ من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور، فقال: استأذنتُ على عمر ثلاثًا فلم يؤذَن لي، فرجعت، قال عمر: ما منعك؟ قلت: استأذنت ثلاثًا فلم يؤذَن لي فرجعت، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[ص ٤٦]: «إذا استأذن أحدكم ثلاثًا فلم يؤذن له فليرجع». فقال: والله لتقيمنَّ عليه بينة. (زاد مسلم: وإلا أوجعتك. وفي رواية ثالثة: فوالله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتين بمن يشهد لك على هذا) أَمِنْكُم أحد سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال أُبيُّ بن كعب: والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم. فكنت أصغر القوم، فقمت معه فأخبرت عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك).
قال أبو ريَّة:(فانظر كيف تشدَّد عمر في أمرٍ ليس فيه حلال ولا حرام، وتدبَّر ماذا يكون الأمر لو كان الحديث في غير ذلك من أصول الدين أو فروعه. وقد استند إلى هذه القصة من يقولون: إن عمر كان لا يقبل خبر الواحد. واستدل به من قال: إن خبر العدل بمفرده لا يقبل حتى ينضمَّ إليه غيره ... ).
أقول: قد ثبت عن عمر الأخذ بخبر الواحد في أمور عديدة، من ذلك: أنه كان لايورّث المرأة من دية زوجها حتى أخبره الضحَّاك بن سفيان الكلابي أنَّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كتب إليه أن يورّث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها.