للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أخبره أحدٌ من أصحابه عنَّا بِشَرٍّ صدَّقه، قال تعالى: {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: ٦١]. أي يصدّقهم. وقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦] فبيَّن سبحانه أن خبر الفاسق مناف لخبر العدل، فمِنْ حقّ خَبَر العَدْل أن يصدُق كما صرَّحت به الآية الأولى، ومن حقِّ خبر الفاسق أن يُبْحَث عنه حتى يتبيّن أمره.

وأما السنة فبيانها لوجوب أن يُقْبَل خبر الواحد العدل أوضح، وقد أطال أهل العلم في ذلك وألَّفوا فيه، وانظر «رسالة الشافعي» (ص ٤٠١ ــ ٤٥٨) و «أحكام ابن حزم»: (١: ١٠٨).

ومن أَبْيَن ما احتجّوا به: ما تواتر من بَعْث النبي - صلى الله عليه وسلم - آحاد الناس إلى القبائل والأقطار يبلّغ كلُّ واحد منهم من أرسل إليه ويعلمهم ويقيم لهم دينهم.

قال ابن حزم (١): «بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معاذًا إلى الجَنَد وجهاتٍ من اليمن، وأبا موسى إلى جهة أخرى ... وأبا عبيدة إلى نجران، وعليًّا قاضيًا إلى اليمن، وكلّ من هؤلاء مضى إلى جهة ما معلمًا لهم شرائع الإسلام. كذلك بعث أميرًا إلى كلِّ جهة أسلمت ... معلمًا لهم دينهم، ومعلمًا لهم القرآن، ومفتيًا لهم في أحكام دينهم، وقاضيًا فيما وقع بينهم، وناقلًا إليهم ما يلزمهم عن الله تعالى ورسوله، وهم مأمورون بقبول ما يخبرونهم به عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم -. وبعثة هؤلاء المذكورين مشهورة بنقل التواتر من كافر ومؤمن لا يشكُّ فيها أحد ... ولا في أن بعثتهم إنما كانت لما ذكرنا. [و] (٢) من


(١) «الإحكام»: (١/ ١٠٩ ــ ١١٠).
(٢) هذه الإضافة من المصنف تصحيحًا لنص ابن حزم.