للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في الخير ــ زعموا ــ حتى تأوّل بعضهم الحديث المتواتر: "من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوّأ مقعدَه من النار" فقالوا: إنما نكذب له لا عليه!!! (١).

هذا، ولو صحّ الحديث المذكور لما كان فيه حجة للمجوّزين، بل يُحْمَل على مَن بلغه حديث ظاهره الصحة [ص ٣٥] وهو في نفس الأمر باطل، توفيقًا بينه وبين أدلة المنع من العمل بالضعيف كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وقد رأيت رسالةً لبعض الإمامية في هذه المسألة، نَقَل فيها عن علمائهم المنعَ من العمل بالضعيف، ثم ذهب يتأوّل ويتمحّل، وذكر أثرًا عن الإمام جعفر الصادق في معنى الحديث الذي ذكرناه، فإن صحّ فقد علمتَ محله، والله أعلم.

ومنها: أن في العمل بالضعيف احتياطًا، والاحتياط مرغّب فيه شرعًا.

والجواب: أن الاحتياط إنما يُطْلَب في مواضع الاشتباه، كما في الحديث المتفق عليه: "الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما مشتبهات لا يعلمهنّ كثير من الناس، فمن ترك الشُّبُهات فقد استبرأ لدينه وعِرْضِه" (٢). وفيما رُوي عن الحسن بن علي عن جده صلى الله عليه وآله وسلم: "دَعْ ما يَرِيبك إلى ما لا يَرِيبك، فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة" (٣).


(١) انظر "الموضوعات": (١/ ١٣٨) لابن الجوزي. وعلامات التعجّب الثلاث من المؤلف.
(٢) البخاري (٥٢)، ومسلم (١٥٩٩) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
(٣) أخرجه أحمد (١٧٢٣)، والترمذي (٢٥١٨)، والنسائي (٥٧١١)، وابن حبان (٧٢٢) وغيرهم. قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن حبان والحاكم: (٢/ ١٣).