وفي مقدمة "شرح مسلم"(١) للنووي: "بلغنا عن مكي بن عبدان ــ أحد حفاظ نيسابور ــ أنه قال: سمعت مسلم بن الحجاج ... ، قال: وسمعت مسلمًا يقول: عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي، فكل ما أشار أن له علةً تركته، وكل ما قال: إنه صحيح وليس له علة خرَّجتُه".
وقد يقال: إذا استُثنِيَت الأحاديث التي انتُقِدت عليهما، فإنهما ــ أو أحدهما ــ قد أخرجا لجماعة ممن طُعِن فيهم والطعن في بعضهم مؤثر، فينبغي أن تُستثنى الأحاديث التي ينفرد بها هؤلاء، ولاسيما إذا كان الطعن من بعض أئمة عصرهما أو ممن بعدهما.
ويوضح ذلك: أن الأحاديث التي انتقدها الدارقطني عامتها إنما انتقدها بعللٍ أبداها، وهو نفسه يضعِّف جماعة ممن أخرج لهم في الصحيحين، فالظاهر أنه اكتفى بالقدح في الراوي عن انتقاد الأحاديث التي انفرد بها في الصحيحين.
والذي يتحرر لي في "صحيح البخاري" أن أحاديثه على أضرب:
الضرب الأول: ما يحتج به على قول يجزم به في العقائد أو الأحكام على أنه أصل في ذلك. فهذا يحتاط له البخاري جدًّا، وكذلك ينبغي أن يكون احتاط له الأئمة الذين أقروه على تصحيحه.
الضرب الثاني: ما يورده على أنه شاهد أو متابع للضرب الأول. فهذا مما يتسامح فيه، فقوته إنما هي فيما وافق فيه الأصل، فإن كان فيه زيادة عما عقد عليه البخاري الباب فهي نازلة عن الضرب الأول.