على ما هو معروف في علم البيان. وملاحظة المخاطب لها تصوره لها على حسب ذلك، ومعلوم أن المخاطب إنما يلاحظها إذا كان هناك ما يدل عليها، وهذا الدليل هو القرينة.
الثالث ــ وهو التحقيق ــ: أن الكذب الذي زعمه الظاهري إنما هو الكذب بحسب الظاهر، ومقصوده به ما يتراءى في نحو المثال الذي ذكره، وهو قولك للبليد:«هذا حمار».
والذي يتراءى هنا ليس هو الكذب الحقيقي، فإن العلاقة موجودة مشهورة، والقرينة واضحة، وهي المشاهدة والإشارة، فالسامع يعلم أن المتكلم لم يدَّعِ أن ذاك الإنسان حمار حقيقة، وإنما أراد وصفه بشدة البلادة، ولكنه مع ذلك يتراءى له أن لفظ الخبر مخالف للواقع؛ لأن الإنسان لا يكون حمارًا، وهذا الترائي لم يأت من غفلة عن القرينة، بل هي بغاية الوضوح، والسامع عارف لها، ولم يأت من عدم العلاقة، فإن العلاقة موجودة معروفة، وإنما يأتي من عدم ملاحظة العلاقة على ما ينبغي، بالتشبيه والدعوى والتأويل، على ما هو مشروح في كتب البيان.
فأراد المحلِّي أن المتكلم إذا اعتبر العلاقة على ذاك الوجه لم يكن الخبر كذبًا حقيقيًّا، ولا ظاهرًا، والسامع إذا لاحظ ذلك على ما ينبغي زال ما كان يتراءى له، فإن لم يلاحظ فمن تقصيره أُتي.
[القرينة]
أجمع أهل العلم على أنه لا بد للمجاز من قرينة، سواءً من قال منهم: هي ركن، ومن قال: هي شرط.