نَجِد أئمة الجرح والتعديل يوثِّقون كثيرًا ممن لم يروهم ولم يدركوهم، وذلك كأبان بن صالح، توفي سنة بضع عشرة ومئة، ووثَّقه ابن معين والعجليّ ويعقوب بن شيبة وأبو زُرعة وأبو حاتم. وهؤلاء كلهم لم يُدْركوه، وأكبرهم ابن معين، وإنما ولد سنة ١٥٨ أي بعد وفاة أبان بنحو أربعين سنة.
ونعجة بن عبد الله الجهني توفي سنة مئة ولم يصرح بتوثيقه غير النسائي، ومولد النسائي سنة ٢١٥. ومثل هذا كثير.
فلا يُنكَر على المتبحّر في الحديث حتى في عصرنا هذا أن يقضي للتابعي فمَن دونه بتحرِّي الصدق في الحديث والضبط له؛ وذلك بأن يتتبّع أحاديث الراوي ويعتبرها، فيجد لها أو لأكثرها متابعات ثابتة وشواهد صحيحة، وإن لم يجد للقليل منها متابعة ولو شاهدًا خاصًّا وجد لها شواهد عامة بمطابقتها القواعد الشرعية وموافقة للقياسات الجليّة، فيغلب على ظنه أن ذلك الراوي صدوق في الحديث ضابط له.
لكن بقيت إشكالات:
الأول: أننا نجد بعض الأئمة يوثّق مَن لم يُدركه مع أنه لم يقف له إلا على الحديث والحديثين، ومثل هذا لا يظهر منه صدق الراوي ولا ضبطه. وهب أنه ترجح عند النسائي صدق الراوي وضبطه لمّا وجد ثقةً قد تابعه فروى ذينك الحديثين عن شيخه كما رواهما، فما يُدريه لعل لذلك الراوي أحاديث أُخَر قد تفرّد بها، ولا يلزم من صدقه وضبطه في الحديثين صدقه