مع هواه زعم أن موافقيه براء من الهوى، وأن مخالفيه كلَّهم متبعون للهوى. وقد كان من السلف من يبالغ في الاحتراس من هواه حتى يقع في الخطأ من الجانب الآخر، كالقاضي يختصم إليه أخوه وعدوّه، فيبالغ في الاحتراس حتى يظلم أخاه. وهذا كالذي يمشي في الطريق، ويكون عن يمينه مزلَّة، فيتَّقيها ويتباعد عنها، فيقع في مزِلَّة عن يساره!
٥ - يستحضر أنه على فرض أن يكون فيما نشأ عليه باطل، لا يخلو عن أن يكون قد سلف منه تقصير أو لا. فعلى الأول إن استمرّ على ذلك كان مستمرًّا على النقص، ومصرًّا عليه، ومزدادًا منه، وذلك هو نقص الأبد وهلاكه. وإن نظر، فتبيَّن له الحق، فرجع إليه، حاز [٢/ ١٩٩] الكمال، وذهبت عنه معرَّة النقص السابق؛ فإن التوبة تجُبُّ ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. وقد قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[البقرة: ٢٢٢]. وفي الحديث:"كلكم خطَّاؤون وخير الخطَّائين التوابون"(١).
وأما الثاني، وهو أن لا يكون قد سبق منه تقصير، فلا يلزمه بما تقدم منه نقصٌ يُعاب به البتة. بل المدار على حاله بعد أن ينبَّه، فإن تنبَّه وتدبَّر فعرف الحقَّ فاتبعه فقد فاز. وكذلك إن اشتبه عليه الأمر، فاحتاط. وإن أعرض ونَفَر، فذلك هو الهلاك.
٦ - يستحضر أن الذي يهمُّه ويُسأل عنه هو حالُه في نفسه. فلا يضرُّه عند
(١) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (١٣/ ١٨٧) والترمذي (٢٤٩٩) والبيهقي في "الشعب" (٧١٢٧) من حديث أنس بن مالك بلفظ: "كلُّ بني آدم خطّاء ... ". وإسناده حسن.