بحسن المعاملة حتى اقتلع البقيَّة الباقيةَ من أثر العناد.
ثم كان من معارضة الأنصار بعد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لقريش في الخلافة واستقرار الخلافة لقريش غير خاصةٍ ببيتٍ من بيوتها، وخضوع العرب لها ثم العجم= ما أكّد حبَّ الإسلام في صَدْر كلّ قرشي. وكيف لا وقد جَمَع لهم إلى كلِّ شبرٍ كانوا يعتزّون به من بطحاء مكة آلاف الأميال، وجعلهم ملوك الدنيا والآخرة. ومما يوضِّح لك ذلك: أن الذين عاندوا إلى يوم الفتح كانوا بعد ذلك من أجدِّ الناس في الجهاد، [ص ١٩٦] كسُهَيل بن عَمرو، وعكرمة بن أبي جهل، وعمه الحارث، ويزيد بن أبي سفيان.
فأما ما يذكره كثير من الكُتَّاب من العصبية بين بني هاشم وبني أمية فدونك الحقيقة:
شَمِل الإسلام الفريقين ظاهرًا وباطنًا، وكما أسلم قديمًا جماعةٌ من بني هاشم فكذلك من بني أمية، كابني سعيد بن العاص، وعثمان بن عفّان، وأبي حذيفة بن عُتبة، وكما تأخَّر إسلام جماعة من بني أمية فكذلك من بني هاشم، وكما عاداه بعضُ بني أمية فكذلك بعضُ بني هاشم، كأبي لهب بن عبد المطلب، وأبي سفيان بن الحارث بن المطلب. ونزل القرآن بذمِّ أبي لهب، ولا نعلمه نزل في ذمِّ أمويٍّ معيَّن. وتزوَّج النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بنت أبي سفيان بن حرب الأموي ولم يتزوَّج هاشمية، وزوَّج إحدى بناته في بني هاشم، وزوَّج ثلاثًا في بني أمية. فلم يبق الإسلام في أحد الجانبين حتى يحتمل أن يستمرَّ هدفًا لكراهية الجانب الآخر. بل ألّف الله بَيْنَ قلوبهم فأصبحوا بنعمته إخوانًا، وأصبح الإسلام يلُفُّهم جميعًا: يحبونه جميعًا، ويعظِّمونه جميعًا، ويعتزُّون به جميعًا، ويحاول كلٌّ منهم أن يكون حظّه منه أوفر.