للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منهم القرآن كلَّه ولا كان عنده مصحف، فهل يقال لهذا: إن القرآن لم يكن حينئذ مِن الدِّين العام؟

نعم كان العامل يحفظ طائفةً من القرآن ويعلم جملةً من السُّنة، فكان يبلِّغ هذا وهذا. ومن عرف وضع الشريعة عرف الحقيقة: إن وضع الشريعة عدم الإعنات، وتوجيه معظم العناية إلى التقوى. كان كثير من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - هاجروا من مكة إلى الحبشة، ونزل بعدهم قرآن وأحكام، وجُعِلت كلّ من الظهر والعصر والعشاء أربعًا بعد أن كانت ركعتين، وحُوِّلت القبلة وغير ذلك، فلم يُنْقَل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عَقِب تجدُّد حكمٍ من هذه وغيرها يبعث رسلًا إلى مَنْ بالحبشة أو إلى غيرهم ممن بَعُدَ عنه يبلِّغهم ذلك، بل كان يَدَعهم على ما عرفوا حتى يبلغهم ما تجدّد اتفاقًا. وجاء أنه صلى الظهر إلى الكعبة أول ما صلى إليها، فخرج ممن كان معه لحاجته فمرَّ وقتَ العصر ببني حارثة ــ وهم في بعض أطراف المدينة ــ وهم يصلون العصر إلى بيت المقدس، فأخبرهم فاستداروا إلى الكعبة فأتموا صلاتهم. وهكذا تحريم الكلام في الصلاة وتحريم الخمر.

ومن المتفق عليه ــ فيما أعلم ــ أنه ليس واجبًا على الأعيان [ص ٣٣] حفظ القرآن سوى الفاتحة، ولا تعلُّمُ القراءة والكتابة واتِّخاذ مصحف، ولايجب على الرجل أن يتعلَّم الفريضة إلا قُرْب العمل بها. وإنما الواجب أن يكون في الأمة علماء، ثم على العامي أن يسأل عالمًا ويعمل بفتواه، وكان في عهد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه يُكْتَفَى في العامل أن يكون ــ مع حفظه لما شاء الله من القرآن ــ عارفًا بطائفة حَسَنة من السُّنة، ثم يقال له: إذا لم تجد الحكم في الكتاب والسنة فاسأل مَنْ ترجو أن يكون عنده علم، فإن لم تجد فاجتهد