للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيًّا ما كان، فإنه يستلزم الحمد الفعلي، وهو فعل يقوم في الدلالة على

الحمد النفسي مقامَ الحمد القولي كالتعظيم. ويستلزم أيضًا الحمدَ الحاليَّ، وهو كون الشيء على حال تدل على الحمد. وما من موجود إلا وهو على حال تنبئ عن حمد الله تعالى. وقد قيل: إن هذا معنى قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: ٤٤]. وسيأتي تمام هذا إن شاء الله تعالى.

واللام في {لِلَّهِ} للاستحقاق، والجملة تفيد القصر، كما تقرر في علم المعاني. والتقدير: الحمد أي كل حمد أو جميع المحامد مستحَقٌّ لله دون غيره. وعبارة ابن جرير (١): " {الْحَمْدُ لِلَّهِ} أي الشكر خالصًا لله جل ثناؤه، دون سائر ما يُعبد من دونه، ودون كل ما يرى (لعله: برأ) (٢) من خلقه".

والحاصل أن الجملة مع إثباتها استحقاقَ الحمد لله عزَّ وجلَّ تنفي أن يكون لغيره دونه أو معه.

ثم أقام الله تعالى الحجة على ذلك بقوله:

" {رَبِّ الْعَالَمِينَ}

و"الرَّبُّ" هنا بمعنى المالك المدبِّر التدبيرَ التامَّ، لا كما يرى أحدنا شجرةً يغرسها أو سَخْلةً ينتجها، فإنَّ أحدنا عاجز عن تمام التربية، إذ لا يعلم بكل ما يصلح للتربية، ولا يقدر على كل ما يعلم. والله عزَّ وجلَّ هو اللطيف الخبير الملك القدير.


(١) في "تفسيره" (١/ ١٣٥).
(٢) هو الصواب، و"يرى" تصحيف.