للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فتكرَّهه؛ لا يحسن به

أن يقول: شممتُ الوردَ، فلم أحمده؛ ولا ذقت ذاك الطعام، فلم أحمده. فكأنه يشرط مع رضا النفس واستلذاذها واستطابتها واستجادتها أن يكون ذاك الشيء في نفسه أهلًا لذلك. فإذا انتفى أحد الأمرين لم يحسن أن يُطلق الحمدُ، فتدَّبرْ. فكأنَّك إذا قلت: طعمتُ من ذاك العسل، فحمدتُه؛ تقول: رضيته نفسي، واستطابته، وهو حقيق بالرضا والاستطابة عند النفوس السليمة.

وأما القوليُّ، فمنهم من يفسِّره بالشكر وبالثناء وبالمدح. وأكثر المتأخرين يقول: إنه يوافق كلًّا من هذه في شيء، ويفارقه في شيء. وأطالوا في ذلك.

والذي نختاره أنَّ حمدَك لزيد مثلًا هو ثناؤك عليه (١) بذكر صفة له أو فعل تحمده القلوب السليمة والعقول المستقيمة. فالحمد النفسي واللساني مرتبطان، وكأنَّ الأصل هو النفسي، والمراد هنا إن كان ما يشملهما فذاك، وإن كان أحدهما فالآخر لازم له، لأن المعتَدَّ به من الحمد القولي هو ما طابق النفسيَّ. فإذا كان النفسيُّ كلُّه لله لزم أن يكون القولي كذلك. والحمد النفسي قد عُبِّر عن الكثير منه بالقول، وباقيه معرض لذلك، فإذا كان القوليُّ كلُّه لله لزم أن يكون النفسيُّ كذلك.

على أنه إن كان المرادُ القوليَّ، فالمراد به ما كان، وما يكون، وما يمكن أن يكون. فيدخل في ذلك ما هو مقدر من الحمد على ما لم يعلمه الخلق، ولو علموه لحمدوه رضًا وقولًا، والحمد المقدر بما لم يعلموه [ل ٣/ب]، ولو علموه لحمدوا به.


(١) في الأصل: "عليك"، سهو.