للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمر عدمي، فإنه يُعقل ارتفاعُ العدم بالوجود، وارتفاعُ الوجود بالعدم، ويستحيل ارتفاعهما معًا. وظواهر النصوص الشرعية توافق هذا، فإنها تعرضت لخلق العالم في الخلاء، ولم تتعرض لخلق الخلاء، بل في عدة نصوص ما يقتضي أن الخلاء لم يكن مرتفعًا (١) قطّ (٢) قبل وجود الملأ. ولا أعلم من سلف المسلمين قائلًا بأن الخلاء أمر وجودي، وأنه لم يكن خلاء ولا ملأ حتى خلق الله تعالى ذلك.

وقال لي قائل: هَبْ أن زاعمًا زعم أن الخلاء وجودي، وأنه قديم فأيُّ محذور في هذا؟ فإن الخلاء أمر لا يصلح أن يكون منه تخليق ولا تدبير، فلا يتوهم أن يكون هو ربَّ العالمين أو مغنيًا عنه أو شريكًا له. وقضيةُ الافتقار إليه على فرض كونه واجبًا لا تنافي الوجود، ولا تزيد عن الافتقار إليه على فرض أنه أمر عدمي، وعلى الافتقار إلى عدم المانع نحو ذلك.

وأقول: خيرٌ لمن يَعرِض له مثلُ هذا أن يُعرِض عن التفكير، ويستغني بما ثبت بالقواطع. وسيأتي لهذا مزيد. والله الموفق.

السادسة: من تدبَّر عبارة الغزالي علِمَ أنه يعترف أن العرب والصحابة والتابعين وكلَّ من لم تطُل ممارستُه لمزاعم الفلاسفة في التجرد، إذا أيقن أحدهم بوجود الله عز وجل فإنه يوقن بثبوت الأينية له ولابدَّ. وإذ كانت الفِطَر قاضيةً بأنه سبحانه فوق سماواته، فإنهم يوقنون بذلك على ظاهره وحقيقته، فإذا سمعوا النصوص الشرعية الموافقة لذلك، فإنما يفهمون منها [٢/ ٣٥٧] تلك المعاني الموافقة، وليس في وسع أحد منهم أن يتوقف عن فهم ذلك


(١) أي منفيًّا. [م ع].
(٢) (ط): «فقط» تحريف.