إلا وفي سنده مجروح، أو خلل، فلذلك صاروا إذا استنكروا الحديثَ نظروا في سنده فوجدوا ما يبيّن وهنه فيذكرونه، وكثيرًا ما يستغنون بذلك عن التصريح بحال المتن، انظر «موضوعات ابن الجوزي» وتدبّرْ تجده إنما يعمد إلى المتون التي يرى فيها ما ينكره، ولكنه قلَّما يُصرِّح بذلك بل يكتفي غالبًا بالطعن في السند. وكذلك كتب العلل وما يُعَلُّ من الأحاديث في التراجم تجد غالب ذلك مما يُنكر متنُه، ولكن الأئمة يستغنون عن بيان ذلك بقولهم:«منكر» أو نحوه، أو الكلام في الراوي، أو التنبيه على خللٍ في السند كقولهم: فلان [ص ١٩٢] لم يلق فلانًا. لم يسمع منه. لم يذكر سماعًا. اضطرب فيه. لم يُتابَع عليه. خالفه غيره. يُروى هذا موقوفًا وهو أصح، ونحو ذلك.
وذَكَر حديث:«يَلْقى إبراهيمُ أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قَتَرة وغَبَرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك. فيقول إبراهيم: يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون، فأيُّ خِزْي أخزى من أبي الأبعد. فيقول الله تعالى: إني حرَّمتُ الجنة على الكافرين ... »(١). وذَكَر قول الإسماعيلي:«هذا حديث في صحته نظر، من جهة أن إبراهيم عالم بأن الله لا يخلف الميعاد، فكيف يجعل ما بأبيه خزيًا له مع إخباره أن الله قد وعده أن لا يخزيه يوم يبعثون، وأعْلَمه أنه لا خُلْفَ لوعده».
أقول: عن هذا جوابان:
الأول: أن إبراهيم لم يجعل ما بأبيه حينئذٍ من القَتَرة والغَبَرة خزيًا، إنما جعل الخزي ما كان منتَظرًا من دخول النار كما يدل عليه إجابة الله تعالى له بقوله: إني حرَّمت الجنةَ على الكافرين، وكما يشهد له ما ذكره الله من قول
(١) أخرجه البخاري (٣٣٥٠) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.