قال أبو ريَّة:(ذكر علماء الحديث أن أبا هريرة كان يدلس).
أقول: إنما جاء في ذلك كلمة شاذَّة يغلب على ظنّي أنها مصحَّفة، سيأتي الكلام عليها (١).
وذكر ص ١٦٥ ما حُكي عن شعبة في ذمِّ التدليس، وقال:(ومن الحفاظ من جرح مُن عُرِف بهذا التدليس من الرواة، فردّ روايته مطلقًا وإن أتى بلفظ الاتصال).
أقول: بعد أن استحكم العرف الذي مرَّ بيانه نشأ أفراد لا يلتزمونه، وهم ضربان:
[ص ١١٦] الضرب الأول: مَنْ بَيَّن عدم التزامه فصار معروفًا عند الصحابة والآخذين عنه أنه إذا قال: «قال فلان» ونحو ذلك وسمَّى بعضَ شيوخه احتمل أن يكون سمع الخبر مِنْ ذاك الشيخ وأن يكون سمعه من غيره عنه. فهؤلاء هم المدلِّسون الثقات. وكان الغالب أنه إذا دلَّس أحدُهم خبرًا مرة أسنده على وجهه أخرى. وإذا دلَّس فسئل بيَّن الواقع.
والضرب الثاني: مَنْ لم يُبَيِّنْ بل يتظاهر بالالتزام، ومع ذلك يدلس عمدًا.
وتدليس هذا الضرب الثاني حاصله إفهام السامع خلاف الواقع، فإن كان المدلِّس مع ذلك متظاهرًا بالثقة كان ذلك حملًا للسامع ومن يأخذ عنه على التديُّن بذاك الخبر عملًا وإفتاء وقضاء. فأما تدليس الضرب الأول فغايته أن يكون الخبر عند السامع محتملًا للاتصال وعدمه، وما يقال إن فيه إيهام الاتصال إنما هو بالنظر إلى العُرْف الغالب بين المحدّثين، فأما بالنظر