للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ص ٣٩] وأما حديث عمران فليس فيه نهيٌ، وإنما فيه أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - قرأ بسبِّح اسم ربِّك الأعلى فأحسَّ بأنه يُخالَج فيها؛ فعرف أنَّ بعض المأمومين قرأها أيضًا، فسألهم لتظهر لهم هذه المعجزة.

وهذه المخالجة أمر روحاني كان يحسُّ به النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ ففي حديث عبادة نهاهم عن قراءة غير الفاتحة، لا للمخالجة فقط، بل لها ولإخلالها باستماع القراءة لغير موجب؛ لأنَّ الصلاة جهرية كما علمت.

وفي حديث عمران لم ينههم؛ لأنَّ المخالجة وحدها ليست علَّة تامة، ولأنها إنما تحصل إذا قرأ المأموم عين السورة التي يقرؤها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهذا لا يتفق دائمًا.

وقد ذكر البخاري في "جزء القراءة" (ص ٩) (١) هذا الحديث من رواية شعبة عن قتادة، ثم قال: "قال شعبة: فقلت لقتادة: كأنه كرهه؛ فقال: لو كرهه لنهانا عنه".

ومع هذا ففي بعض روايات حديث عمران ما يدلُّ أنَّ ذلك القارئ رفع صوته، وسيأتي بيان ذلك، إن شاء الله تعالى. وعليه فيصح قول البيهقي: "وكأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إن كره من القاريء خَلْفَه شيئًا كره الجهر بالقراءة" (سنن ج ٢ ص ١٦٢).

ثم قال الشارح: (وعُلم من هذا الحديث ــ يعني حديث عبادة ــ أنَّ آية: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: ٢٠٤] نزلت بعد هذا؛


(١) (ص ٢١٤) طبعة الهند.