وافقه عليه غيره من الصحابة؛ اثنان أو ثلاثة أو أكثر. ويبقى بعد الأَضْرُب السابقة ثلاثة أو أربعة أحاديث قد مرّ الجواب الواضح عنها بحمد الله تعالى.
واعلم أن الناس تختلف مداركُهم وأفهامُهم وآراؤهم ولا سيّما في ما يتعلق بالأمور الدينية والغيبية؛ لقصور علم الناس في جانب علم الله تعالى وحكمته، ولهذا كان في القرآن آيات كثيرة يستشكلها كثير من الناس، وقد أُلِّفَتْ في ذلك كتب (١). وكذلك استشكل كثيرٌ من الناس كثيرًا من الأحاديث الثابتة عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، منها ما هو من رواية كبار الصحابة أو عدد منهم كما مرَّ، وبهذا يتبيَّن أن استشكال النصّ لا يعني بطلانه. ووجود النصوص التي يُستشكل ظاهرُها لم يقع في الكتاب والسنة عَفْوًا وإنما هو أمر مقصود شرعًا؛ ليبلو الله تعالى ما في النفوس ويمتحن ما في الصدور، وييسر للعلماء أبوابًا من الجهاد العلمي يرفعهم الله به درجات.
هذا، وأنت تعلم أنَّ أبا هريرة رجل أُمّيّ لا يكتب ولا يقرأ الكتب، وعاش حتى ناهز الثمانين، منها نحو أربعين سنة يحدِّث، وكثر حديثه، ولم يكن معصومًا عن الخطأ، وكذلك الموثَّقون من الرواة عنه ومَنْ بعدهم. أما غير الموثَّقين فلا اعتداد بهم. وقد عاداه المبتدعةُ من الجهمية والمعتزلة والرافضة وغُلاة أصحاب الرأي كما مرَّتْ شواهده في الترجمة، وحَرَصوا كلَّ الحرص على أن يجدوا في أحاديثه [ص ١٦٢] ما يطعنون به عليه، وتتابعت جهودُهم، ثم جاء أبو ريَّة فأطال التفتيش والتنبيش، وقضى في ذلك سنين من عمره، ومع ذلك كلّه كانت النتيجة ما تقدّم، فعلى ماذا يدل هذا؟
(١) منها كتاب «تأويل مشكل القرآن» لابن قتيبة، و «تفسير آيات أشكلت» لابن تيمية.