للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"الفتح" (١).

[٢/ ١٨٦] فمن كان معتادًا للعمل من أعمال الخير مواظبًا عليه، ثم طرأ عليه بغير اختياره أو باختياره مأذونًا له عارضٌ يعجز معه عن ذاك العمل، أو يُشرَع له تركُه، أو يدَعُه وهو نفل لاشتغاله عنه أو لزيادة المشقة فيه= فقد ثبت باعتياده أنه لولا ذاك العارض ــ وهو غير مقصِّر فيه ــ لاستمرَّ على عادته، فلذلك يكتب له ثواب ذاك العمل. فأولى من هذا من كان معتادًا لعمل، ثم عرض باعث آخر على ذاك العمل، واستمرَّ العامل على عادته.

وقال الله عز وجل في قصة نوح: {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (٢٧) قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} [هود: ٢٧ - ٢٨].

يريد ــ والله أعلم ــ أن كراهيتكم للحق وهواكم أن لا يكون ما أدعوكم إليه حقًّا يحول بينكم وبين أن يحصل لكم العلم واليقين بصحته.

وفي "تفسير ابن جرير" (١٢/ ١٧) (٢) عن قتادة قال: "أما والله لو استطاع نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم - لألزمها قومَه، ولكن لم يَمْلك ذلك، ولم يُمَلَّكْه". والرسول لا يحرص على أن يُكره قومه إكراهًا عاديًّا على إظهار قبول الدين،


(١) (٦/ ١٣٧).
(٢) (١٢/ ٣٨٣) ط. دار هجر. وأخرجه أيضًا ابن أبي حاتم في "تفسيره" (٦/ ٢٠٢٣).