فإنه يعلم أن هذا لا ينفعهم بل لعله أن يكون أضرَّ عليهم، وإنما يحرص على أن يقبلوه مختارين. ولذلك يحرص هو وأصحابه على أن يُظهِر الله تعالى الآياتِ على يده أملًا أن يحصل للكفّار العلمُ إذا رأوها، فيقبلوا الدين مختارين. ويزداد الحرص على هذا عندما يطالب الكفار بالآيات. وهذه كانت حال محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه. فبيَّن الله تعالى لهم في عدة آيات أنه ليس على الرسول إلا البلاغ، وأن الهداية بيد الله، وأن ما أوتِيَه من الآيات كافٍ لأن يؤمن مَن في قلبه خير، وأن الله لو شاء لهدى الناس جميعًا، لكن حكمته إنما اقتضت أن يهديَ من أناب بأن كان يحبُّ الهدى، ويؤثره على الهوى.
فأما من كره الحق واستسلم للهوى، فإنما يستحق أن يزيده الله تعالى ضلالًا. قال الله عز وجل: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (٢٧)} إلى أن قال: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ [٢/ ١٨٧] أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا}[الرعد: ٢٧ - ٣١].