قال أبو ريَّة ص ٢٤:(وروى حافظ المغرب ابن عبد البر والبيهقي في «المدخل» عن عروة: أن عمر أراد أن يكتب السنن فاستفتى أصحاب رسول الله في ذلك ــ ورواية البيهقي: فاستشار ــ فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق عمر يستخير الله شهرًا، ثم أصبح يومًا وقد عزم الله له فقال: إني كنت أريد أن أكتب السنن، وإني ذكرت قومًا كانوا قبلكم كتبوا كتبًا فأكبُّوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا أشوب كتاب الله بشيء أبدًا. ورواية البيهقي: لا ألبس كتابَ الله بشيء أبدًا).
أقول: وهذا وإن صح حجة لما قلناه، فلو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كتابة الأحاديث مطلقًا لما هَمَّ بها عمر وأشار بها عليه الصحابة، فأما عُدُولُه عنها فلسبب آخر كما رأيت.
لكن الخبر منقطع؛ لأن عروة لم يدرك عمر. فإن صحَّ فإنَّما كانت تلك الخشية في عهد عمر ثم زالت. وقد قال عروة نفسُه كما في ترجمته من «تهذيب التهذيب»(١): «وكنا نقول: لا نتخذ كتابًا مع كتاب الله، فمحوتُ كتبي. فوالله لودِدْتُ أن كتبي عندي، وإن كتاب الله قد استمرَّت مريرته». يعني قد استقرَّ أمره وعُلِمَتْ مزيته وتقرَّر في أذهان الناس أنه الأصل، والسنَّة بيان له. فزال ما كان يُخشى من أن يؤدّي وجود كتاب للحديث إلى أن يكبَّ الناس عليه، ويَدَعُوا القرآن.
قال أبو ريَّة:(وعن يحيى بن جعدة أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة، ثم بدا له أن لا يكتبها، ثم كتب إلى الأمصار: من كان عنده شيء فليمحه).
أقول: وهذا منقطع أيضًا، يحيى بن جعدة لم يدرك عمر، وعروة أقدم منه وأعلم جدًّا، وزيادة يحيى منكرة، لو كتب عمر إلى الأمصار لاشتهر