سلطان من الله عزَّ وجلَّ في الإذن بخطاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أو خطاب غيره من الموتى إلا بالسَّلام ونحوه، فمَن تجاوز ذلك إلى السؤال منه - صلى الله عليه وسلم - أو من غيره فلا أعلم له سلطانًا، وقد أغنى الله المسلمين عن ذلك بكثرة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ومَن قاس الأموات على الأحياء [٥٥٥] فهو كمَن قاس الملائكة على البشر، وقد مَرَّ الكلام على ذلك.
فأمَّا ما شاع بين الناس أنَّ أرواح الأنبياء والصالحين تتصرَّف في الكون, فلو صحَّ ذلك لم يكن مُسَوِّغًا لجواز السؤال منها؛ فإنَّ الملائكة يتصرَّفون في الكون قطعًا، ومع ذلك فالسؤال منهم دعاء وعبادة لهم وشرك بالله عزّ وجلَّ كما تقدَّم، وسائر ما ذكرناه لتوجيه السؤال منهم يأتي مثلُه في أرواح الموتى.
وحسبك من ذلك قوله تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}[الأنبياء: ٢٢] , فلو كانت أرواح الموتى تتصرَّف بهواها لفسد الكون، بل ولهاجت الفتن بين الأرواح؛ كأن يستغيث أحد الخصمين بروحٍ، والآخر بروحٍ أخرى, فيقوم النزاع بين الروحين، كلٌّ منهما تحاول نفع صاحبها ويتعصَّب لها جماعة من الأرواح، وهكذا، فإذا كان للأرواح ما يزعمه الجهَّال من القدرة العظيمة لزم فسادُ الكون لا محالة.
فالحقُّ المقطوع به أنه إن كان لأرواح الموتى تصرُّف فهو كتصرُّف الملائكة إنما يكون بأمر الله تعالى، قال تعالى فيهم:{لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ [٥٥٦] وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}[الأنبياء: ٢٧]. وعليه فالسؤال من الأرواح كالسؤال من الملائكة سواء، وقد تقدَّم حكمه. والله الموفق، لا إله إلا هو.