للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطلب الثاني (١)

في محطِّ المطابقة

المتكلم قد يعتقد الواقعة على ما هي عليه، وقد يعتقدها على خلاف ما هي عليه، ثم قد يريد أن يخبر بها على ما اعتقده، وقد يريد أن يخبر بها على خلافه، وقد يريد أن يكون الخبر صالحًا ولو على بعدٍ لما يعتقده، مفهمًا ظاهرًا لخلاف ما يعتقده.

ومدار الصدق والكذب إنما هو على الواقع في نفس الأمر من جهة، وعلى مدلول الخبر نفسه من الجهة الأخرى، فإن تطابقا فصدقٌ، وإلا فكذبٌ.

ومدلول الخبر هو ما حقُّه أن يفهم منه مع ملاحظة القرائن، فإذا سمعنا خبرًا، فنظرنا فيه، ولاحظنا القرائن فوجدناه مفهمًا لمعنى، فزعم زاعم أنه بذاك المعنى غير مطابق للواقع= كان بزعمه هذا زاعمًا أن الخبر كذب، وأن المخبر به كاذبٌ.

ولا يدفع هذا أن يقول: لعل المتكلم أراد بهذا الخبر غير ظاهره، ونقول له: إن كان المتكلم لم يجهل ولم يخطئ، فقد أراد ــ ولا بدَّ ــ أن يكون خبره هذا مفهمًا لما هو مفهم له، فإن كان مع ذلك تأول في نفسه معنى آخر فلا شأن لنا به؛ لأن الكلام إنما وضع للإفهام، وحق المتكلم أن يكون كلامه مع ما ينصبه من القرائن صورة مطابقة للمعنى الذي في نفسه.

ولا ريب أن الخبر إنما يطابق حق المطابقة ما أراد المتكلم أن يكون


(١) كتب قبله: «بسم الله الرحمن الرحيم».