إذا كان الوعد كذبًا، والخيانة تعتمد الكذب كما لا يخفى.
وقال أبو بكر الصديق:"الكذب مجانب للإيمان"(١).
فأما توهُم حِلّ الكذب في مصلحة الدين، فلا يكون إلا من أجهل الناس وأشدّهم غفلة؛ لأن حَظْر الكذب مطلقًا هو من أظهر الأحكام الشرعية.
وأولئك الكُتَّاب لا يعرفون هذا المانع، لأنهم لا يجدونه في أنفسهم، ولا يجدون فيمن يخالطونه مَن تقهرهم سيرتُه على اعتقاد اتصافه بهذا المانع؛ لضعف الإيمان في غالب الناس ورقَّة التديُّن. ولا يعرفون من أحوال سلف المسلمين ما يقهرهم على العلم باتصافهم بذلك المانع، لأنهم إنما يطالعون التواريخ وكتب الأدب ك "الأغاني" ونحوها.
وهذه الكتب يكثر فيها الكذب والحكايات الفاجرة، كان فَجَرةُ الأخباريين يضعون تلك الحكايات لأغراض منها: دفع الملامة عن أنفسهم. يقولون: ليس هذا العيب خاصًّا بنا، بل كان مَن قبلنا كذلك حتى المشهورون بالفضل. ومنها: ترويج الفجور والدعاية إليه، ليكثر أهلُه، فيجد الداعي مساعدين عليه؛ ويقوى عذرُه. ومنها: ترغيب الأمراء والأغنياء في الفجور، وتشجيعهم عليه ليجد الدعاة المتأدِّبون مراعي خصبة يتمتّعون فيها بلذّاتهم وشهواتهم. ومنها: التقرُّب إلى الأمراء والأغنياء بالحكايات الفاجرة التي يلذّ لهم سماعُها، إلى غير ذلك. وما يوجد في تلك [١/ ٢٨] الكتب من الصدق إنما يصوِّر طائفةً مخصوصة كالأمراء المترفين، والشعراء والأدباء ونحوهم.
(١) أخرجه أحمد في "المسند" (١٦)، ووكيع في "الزهد" (٣٩٩) وغيرهما. وهو صحيح.