وهذا لا يكفي في إثبات ذلك؛ إذ لم يبيّن فيه سند الساجي وسند الراعي. وعلى فرض صحة ذلك فلا يَفْهم منه عاقلٌ أن الشافعيَّ رجع عن قديمه كله؛ لأن في القديم مسائل مقطوعًا بها، ومسائل مجمعًا عليها، ومسائل ناظر الشافعيُّ الحنفيّةَ فيها، ثم حكى في الجديد مناظرته لهم، فغايةُ الأمر أنه رجع عن عددٍ من المسائل كانت مفرَّقةً في الأبواب، وألَّف في مصر كتبَه وهذّبها؛ فصارت حاويةً لما كان في (كتاب الحجة)، مع تهذيب وتنقيح، وخالية عن تلك الفروع التي رجع عنها الشافعي، فإذا رأى أنه بعد ذلك لم يبق لكتابه القديم حاجة للاستغناء عنه بالكتب الجديدة المهذَّبة المنقَّحة، فليس في ذلك ما يعادل ما أنكره الشافعي على أبي حنيفة ولا يقاربه.
فقول الأستاذ:"ولولا أن الشافعي رأى قديمَه [ص ١١٠] كلَّه مخالفًا للكتاب والسنة لما رجع هذا الرجوع" مِن أقبح المجازفات التي تقدح في عقل صاحبها فضلًا عن علمه وتديّنه، والأستاذ مع ذلك يكثر من قوله:"نسأل الله السلامة. نسأل الله العافية" ونحو ذلك!
فأما ما ادّعاه الشافعي من مخالفة نحو ثلثي تلك الكتب للكتاب والسنة، فقد اعترف بذلك أصحاب أبي حنيفة، ومنهم الأستاذ كما تقدَّم في ذِكر (كتاب الوقف) و (كتاب المزارعة) وغيرهما.
وأما تأليف ابن عبد الحكم كتابًا فيما خالف فيه الشافعيُّ الكتابَ والسنة، فليس لنا ولا للأستاذ تصويب ابن عبد الحكم ولا تخطئته حتى نعرف ما هي المسائل التي ذكرها، فإن اكتفينا بالإجمال كان الظاهر أنه أصاب في بعضها وأخطأ في بعضها، وليس الشافعي بمعصوم عن الخطأ،