سمع؟ وكيف كتابه؟ ثم يعرف أحوال الشيوخ الذين يحدّث عنهم، وبلدانهم ووفياتهم، وأوقات تحديثهم وعادتهم في التحديث، ثم يعرف مرويات الناس عنهم، ويعرض عليها مرويات هذا الراوي ويعتبرها بها، إلى غير ذلك ممّا يطول شرحه.
ويكون مع ذلك متيقظًا مرهف الفهم، دقيق الفِطْنة، مالكًا لنفسه، لا يستميله الهوى، ولا يستفزّه الغضب، ولا يستخفّه بادِرُ ظنٍّ حتّى يستوفي النظر، ويبلغ المقرّ، ثم يحسن التطبيق في حكمه، فلا يجاوز ولا يقصر.
وهذه المرتبة بعيدة المرام، عزيزة المنال، لم يبلغها إلا الأفذاذ، وقد كان من أكابر المحدثين وأجلتهم من يتكلّم في الرواة فلا يعوَّل عليه، ولا يُلتفت إليه. قال الإمام علي بن المديني ــ وهو من أئمة هذا الشأن ــ:"أبو نعيم وعفَّان صدوقان، لا أقبل كلامهما في الرجال، هؤلاء لا يدعون أحدًا إلّا وقعوا فيه"(١)، وأبو نعيم وعفان من الأجلة، والكلمة المذكورة تدلّ على كثرة كلامهما في الرجال، ومع ذلك لا تكاد تجد في كتب الفن نقل شيء من كلامهما.
* أئمة النقد:
اشتهر بالإمامة في ذلك جماعة، كمالك بن أنس، وسفيان الثوري، وشُعبة بن الحجّاج، وآخرون قد ساق ابن أبي حاتم تراجم غالبهم مستوفاةً في كتابه "تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل"، وذلك أنّه رأى أنّ مدار الأحكام في كتاب الجرح والتعديل على أولئك الأئمة، وأنّ الواجب أن لا