للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التعليم والحكمة (١)

العلم والحكمة أخوان لا يختلفان، لكن معارف الناس وطباعهم وأهواءهم تختلف، فيؤدّي ذلك إلى اختلاف التعليم والحكمة.

مثال ذلك: أنّ النّصوص الشرعية منها ما يورث سعة الرجاء في رحمة الله تعالى ومغفرته، ومنها ما يورث شدة الخوف منه عزَّ وجلَّ وخشيته، ولا ريب أنَّها كلها حقّ. وأن معرفة الأمر على حقيقته هو حقيقة العلم، وأن الإنسان لو أحاط بذلك وأعطى كلًّا من الجانبين حقّه لكان قائمًا بين الرجاء والخوف، وذلك هو مقتضى الحكمة.

لكن الإنسان قد يعلم شيئًا مما يورث الرجاء، ويجهل ما يقابله أو يغفل عنه، ويكون طبعه وهواه الميل إلى الرجاء، فيميل إليه حتى يتعدّى الحد، فيُخشى عليه أن يقع في الأمن من مكر الله عز وجل. وقد يعلم شيئًا مما يورث الخوف والخشية، ويجهل ما يقابله أو يغفل عنه، ويكون طبعه يميل إلى ضعف الرجاء، فيميل إليه حتى يتعدّى الحدّ، فيُخشى عليه أن يقع في اليأس والقنوط من رحمة الله عزَّ وجلَّ.

وكلا الأمرين ــ أعني الأمن من مكر الله عز وجل، واليأس من رحمته ــ


(١) هذا المبحث كان في صدر رسالةٍ عزم الشيخ على تأليفها تعقُّبًا على الشيخ محمد حامد الفقي في بعض تعليقاته على رسائل لشيخ الإسلام ابن تيمية، أثنى على الشيخ الفقي فيها لكنه بيَّن أنه لم يوفَّق في التعليق لا من جهة بيان ما في نفس الأمر، ولا من جهة الحكمة والنصيحة. ولكن لم نقف إلا على صدر هذه الرسالة، فأثبتنا منها هذا المبحث هنا لأهميته.