الأول: ذَكَر من الدواعي إلى الكذب: التشيُّع للمذاهب، والتزلّف إلى ذوي المراتب.
فأقول: قد عرف المحدّثون هذا وعدّةَ أسباب أخرى أشاروا إليها في البواعث على الوضع، وإنما الفرق بينهم وبين بعض مَنْ يتعاطى النقدَ في عصرنا أنَّ المحدّثين علموا أنّ هذين الداعيين مثلًا لا يدعوان إلى الكذب لأنه كذب، وإنما يدعو الأول إلى ذِكْر ما يؤيّد المذهب، والثاني إلى ذكر ما يرضي ذا المرتبة، [ص ٢١١] وإنَّ كُلًّا من التأييد والإرضاء ليس وقفًا على الكذب، بل يمكن أن يقع بما هو صدق. إذن فالمخبر بما يؤيّد مذهبه أو يرضي رئيسه يجوز ــ مع صرف النظر عن الأمور الأخرى ــ أن يكون صادقًا وأن يكون كاذبًا، فالحكم بأحدهما لوجود الداعي غير سائغ، بل يجب النظر في الأمور الأخرى ومنها الموانع، فإذا وُجِد داعٍ ومانع وانحصر النظرُ فيهما تعيَّن الأخذُ بالأقوى، وكلّ من الدواعي والموانع تتفاوت قُوَّتُه في الأفراد تفاوتًا عظيمًا، فلابد من مراعاة ذلك.
ومن تدبَّر هذا علم أنّ الحقَّ لا ريب فيه، وأنه يرى شواهده في نفسه وفي مَنْ حواليه، وعلم أن ما يسلكه بعضُ متعاطي النقد من أهل العصر في اتهام بعض أفاضل المتقدِّمين بالكذب لوجود بعض الدواعي عندهم في الجملة تهوُّرٌ مؤسف. أمّا أئمة الحديث فقد عرفوا الرواةَ وخَبَروهم، وعرفوا