للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأحد أن يطعن في المغيرة بما برَّأه منه الحكم. فإن كان أهل العلم بعد ذلك عدَّلوا الثلاثةَ الذين شهدوا على ابن أبي داود، فليس في ذلك ما ينفي أن يكونوا كانوا حين الشهادة مجروحين بما جُرحوا به في مجلس الحكم، بل يقال: تابوا مما جُرحوا به، فلذلك عدَّلهم أهلُ العلم.

وبعد، فقد كانت أم سلمة رضي الله عنها أتمَّ أمهات المؤمنين ولاءً لفاطمة عليها السلام وللحسن والحسين وأبيهما، وكان علي رضي الله عنه يثق بعظم ولائها، وبعقلها ورأيها ودينها، فكان يستنصحها ويستشيرها. فقد يكون بعضُ الناس روى أن عليًّا كان يتردد عليها لذلك، فأخذ بعض أعداء الله تلك الحكايةَ، وغيَّرها ذاك التغيير الفاجر! كما غيَّر بعضُهم حديث «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» (١) فجعل بدل «هارون»: «قارون»، كما تراه في ترجمة حريز بن عثمان (٢).

وكان من عادة المحدثين التباهي بالإغراب، يحرص كلٌّ منهم على أن يكون عنده من الروايات ما ليس [١/ ٣٠٣] عند الآخرين؛ لتظهر مزيَّته عليهم. وكانوا يتعنَّون شديدًا لتحصيل الغرائب، ويحرصون على التفرُّد بها، كما ترى في ترجمة الحسن بن علي المَعْمَري من «لسان الميزان» (٣) وغيره. وكانوا إذا اجتمعوا تذاكروا، فيحرص كل واحد منهم على أن يذكر شيئًا يُغرِب به على أصحابه بأن يكون عنده دونهم. فإذا ظفِر بذلك افتخَر به


(١) أخرجه البخاري (٣٧٠٦)، ومسلم (٢٤٠٤) من حديث سعد بن أبي وقاص.
(٢) انظر «تهذيب التهذيب»: (٢/ ٢٣٩).
(٣) (٣/ ٧١).