للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليهم، واشتدَّ سروره وإعجابه وانكسارهم. وقد حكى ابن فارس عن الوزير أبي الفضل ابن العميد قال: «ما كنت أظن في الدنيا كحلاوة الوَزارة والرياسة التي أنا فيها حتى شاهدتُ مذاكرةَ الطبراني وأبي بكر الجعابي ... »، فذكر القصة، وفيها غلبة الطبراني. قال ابن العميد: «فخجل الجعابي، فوددت أن الوزارة لم تكن، وكنتُ أنا الطبراني، وفرحتُ كفرَحه». راجع «تذكرة الحفاظ» (ج ٣ ص ١٢١) (١).

ولم يكونوا يبالون في سبيل إظهار المزية والغَلَبة أكان الخبر عن ثقة أو غيره، صحيحًا أو غير صحيح؟ وقد كان عند زكريا الساجي حديث عن رجل واهٍ، ومع ذلك لمَّا لم يوجد ذاك الحديث إلا عند الساجي صار له به شأن! وفي «لسان الميزان» (٢): «قال الساجي: كتب عني هذا الحديثَ البزَّارُ وعبدانُ وأبو داود وغيرهم من المحدثين. قال القرَّاب: هذا حديث الساجي الذي كان يُسأل عنه».

وكانت طريقتهم في المذاكرة: أن يشير أحدُهم إلى الخبر الذي يرجو أنه ليس عند صاحبه، ثم يطالبه بما يدل على أنه قد عرفه، كأن يقول الأول: مالك عن نافع قال .... فإن عرفه الآخر قال: حدثناه فلان عن فلان عن مالك. وقد يذكر ما يعلم أنه لا يصح أو أنه باطل، كأن يقول: المقبري عن أبي هريرة مرفوعًا: «أبغَضُ الكلام إلى الله الفارسية»، أو يقول: أبو هريرة


(١) (٣/ ٩١٥).
(٢) (٣/ ٥٢٢).