يتلخّص ممّا تقدّم: أنّ الآيتين الّلتين صدّرتُ بهما الرسالة وغيرهما من الأدلة، تأمر بتهيئة ما حول البيت للطائفين ــ مبدوءًا بهم ــ وللعاكفين والمصلِّين، وأنّ المقصود من التهيئة لهذه الفِرق: تمكينها من أداء تلك العبادات على وجهها بدون خلل ولا حرج.
إنّ هذه التهيئة تختلف باختلاف قلّة تلك الفِرق وكثرتها.
ففي يوم الفتح كان المهمّ إزالة الشرك وآثاره، وفي حجة أبي بكر رضي الله عنه سنة تسعٍ كان الناس قليلاً، يكفيهم المسجد القديم، ولا يؤدي بقاء المقام في موضعه الأصليّ بلصْقِ الكعبة، وصلاة من يصلّي خلفه، إلى تضييقٍ على الطائفين ولا خللٍ في العبادتين.
وفي حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - كثر الحاجّون لأجل الحجّ معه - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن ينتظر أن تستمر تلك الكثرة في السنين التي تلي ذلك، وكان تأخير المقام حينئذٍ يستدعي توسعة المسجد؛ ليتسع ما خلف المقام للعاكفين والمصلين؛ وكانت بيوت قريش ملاصقة للمسجد، وتوسعته تقتضي هدمَ بيوتهم، وعهدُهم بالشرك قريب، وتنفيرهم حينئذٍ يُخشى منه مفسدة عُظمى لدنو وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلذلك لم يوسِّع النبي - صلى الله عليه وسلم - المسجدَ، وخيَّم هو وأصحابه بالأبطح، وكان يصلِّي هناك.
فلما كان في عهد عمر رضي الله عنه كثر الناس كثرةً يتوقع استمرارها في السنين المقبلة، وتمكن الإسلام من صدور الناس، ولم يبقَ خشيةٌ من نفرة من عساه أن ينفر ممن يهدم بيته، فهدم عمر ما احتاج إلى هدمه من