للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكنا إذا سلمنا قلنا بأيدينا: السلام عليكم، السلام عليكم، فنظر إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ما شأنكم تشيرون بأيديكم كأنها أذنابُ خَيل شُمُسٍ! إذا سلَّم أحدكم فَلْيلتفتْ إلى صاحبه ولا يومئْ بيده". وفي رواية (١): فقال: "ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذنابُ خَيلٍ شُمُس! اسكنوا في الصلاة". فأَمَرهم بالسكون عن تلك الحركة، وهي رفع الأيدي عند السلام، والإشارة بها يمنةً ويسرةً. وأمَرهم بالالتفات وهو حركة أيضًا، وإنما الفرق أن الحركة الأولى غير مشروعة، والثانية مشروعة. فعلى هذا يجري الأمر في سائر الحركات في الصلاة. فما كان واجبًا لم [٢/ ٣٨] يُعقل أن يكون السكون عنه جائزًا، وما كان مندوبًا لم يُعقل أن يكون السكون عنه إلّا مكروهًا أو خلاف الأولى، وما كان مباحًا فالسكون عنه مباح. والله الموفق.

وأما الأمر الثامن ــ وهو قول الكوثري: "وإنما خلافهم فيما هو الأفضل" ــ فوجيهٌ في الجملة، فإن منهم من عرف أن الرفع سنة باقية، وفِعل السنة أفضل من تركها. ومن التابعين فمَن بعدهم مَن لم تبلغه هذه السنة من وجه يثبت، أو بلغته ولكن غلبت عليه شبهةٌ ترجَّح بها عنده أنها منسوخة، فيكون عنده أنَّ الرفع بدعة، وتركُ البدعة أفضل من فعلها. وكذلك من التبس عليه الحال، فإن ما يحتمل أن يكون سنةً وأن يكون بدعة، فتركُه أفضل. فأما من أعرض عن الحجج واسترسل مع الشبهات إيثارًا لهواه، فله حكم آخر. والله المستعان.


(١) عند مسلم برقم (٤٣٠).