للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقال: إنهما قُتلا بدون أمره. وكره أن يُومِض، لأن الإيماض من شعار أهل الغدر لا ينبغي للأنبياء.

أقول: فإذا لم ينبغِ للأنبياء الإيماضُ في الحق، لأنه في الجملة من شعار أهل الغدر؛ فكيف ينبغي لهم الكذب، وهو نفسه قبيح مذموم؟!

وقال ابن حجر في "الفتح" (١) في شرح "باب الكذب في الحرب": "قال النووي: الظاهر إباحة الكذب حقيقة في الأمور الثلاثة، لكن التعريض أولى ... ولا يعارض ذلك ما أخرجه النسائي (٢) ... في قصة عبد الله بن سعد بن أبي سرح ... ". ثم قال ابن حجر: "والجواب المستقيم أن نقول: المنع مطلقًا من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا يتعاطى شيئًا من ذلك وإن كان مباحًا لغيره. ولا يعارض ذلك ما تقدَّم مِنْ أنه كان إذا أراد غزوةً ورَّى بغيرها (٣)، فإن المراد أنه كان يريد أمرًا فلا يظهره، كأن يريد أن يغزو جهة الشرق، فيسأل عن أمر في جهة الغرب، ويتجهز للسفر ... ".

أقول: كان صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد غزوةً شرَعَ في التجهُّز، وأمَرَ أصحابه بذلك. فقد تكون هناك قرينةٌ تُشعِر بالجهة التي يريد، وقد يكون هناك جاسوس لأهل تلك الجهة. فإذا رأى التجهُّز وعرف تلك القرينة أسرع فأنذرهم فتحرَّزوا. فكان النبي صلى الله عليه [٢/ ٢٥٧] وآله وسلم يقول ما يدافع تلك القرينة ليلتبس الأمر على الجاسوس، فإما أن يتأخر ليعرف الحال، فيسبقه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه. وإما أن


(١) (٦/ ١٥٩). وكلام النووي في "شرح صحيح مسلم" (١٢/ ٤٥).
(٢) (٧/ ١٠٥، ١٠٦).
(٣) أخرجه البخاري (٢٩٤٧، ٢٩٤٨) ومسلم (٢٧٦٩/ ٥٤) من حديث كعب بن مالك.