ولم تكن بين فتح مكة وبين ولاية عثمان الخلافة نُفْرة ما بين العشيرتين، فلما كانت الشورى وانحصر الأمرُ في عليٍّ وعثمان، فاختير عثمان، وجدت الأوهامُ مَنْفذًا إلى الخواطر، ثم لما صار في أواخر خلافة عثمان جماعةٌ من عشيرته ــ بني أمية ــ أمراء وعمّالًا، وصار بعضُ الناس يشكوهم؛ أُشيعت عن عَليٍّ كلمات يُندِّد بهم ويتوعَّدهم بإنه إذا ولي الخلافة عَزَلهم وأخذَ أموالَهم وفَعَل وفَعَل، ثم كانت الفتنة، وكان لبعض من يُعدُّ من أصحاب عليٍّ إصبع فيها، حتى قُتِل عثمان وقام قَتَلتُه بالسعي لمبايعة عَليّ، فبويع له وبقي جماعةٌ منهم في عسكره.
فمن تدبَّر هذا وجد هذه الأسباب العارضة كافية لتعليل ما حدث بعد ذلك، إذن فلا وجه لإقحام ثارات بدر وأُحُد التي أماتها الإسلام، وما حُكي مما يُشعر بذلك لا صحةَ له البتة، إلا نزغة شاعر فاجر في زمن بني العباس، يصح أن تُعدّ من آثار الإسراف في النزاع لا من مؤثراته. وجرى من طلحة والزبير ما جرى، فأيُّ ثأر لهما كان عند بني هاشم؟
وبهذا يتضح جليًّا أن لا مساغ البتة لأن يُعلَّل خلاف معاوية بطلبه بثأر مَنْ قُتِل من آله ببدر، ثم يتذرَّعُ بذلك إلى الطعن في إسلامه، ثم في إسلام نُظَرائه!
فإن قيل: مهما يكن من حال الصحابة فإنهم لم يكونوا معصومين، فغاية الأمر أن يُحمَلوا على العدالة ما لم يتبين [ص ١٩٧] خلافها، فلماذا يُعدِّل المحدِّثون مَنْ تبيَّن ما يوجب جرحه منهم؟
فالجواب من أوجه:
الأول: أنهم تدبَّروا ما نُقِل من ذلك فوجدوه ما بين غير ثابت نقلًا أو