للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(ذوو الأرحام)

قال في فصل العصبة (١): "والناس كلهم من أولاد آدم عليه السلام، فلا يمكن أن يخلو ميتٌ من عصبة، فذوو الأرحام ــ الذين يرثون عندهم إذا لم يكن للميت عصبةٌ ــ لا تصل إليهم التركة أبدًا".

أقول: هم لا يريدون بقولهم: "إن ذوي الأرحام لا يرثون إلّا إذا لم يكن هناك عصبة" انتفاءَ العصبة في نفس الأمر، بل انتفاء العلم بها، وأنت خبير أن الغالب في الناس جهل الأنساب بعد بضعة آباء، فحينئذٍ يكون الغالب الجهل بالعصبة البعيدة. ولا تحسبنّ هذا الحكم خاليًا عن الحكمة، بل الحكمة فيه بيِّنة، وهو أن العصبة إنما يَرِث لمكان العصبية، أعني كونه يغضب للمتوفى، ويَحمي عنه، ويبذل دمه وماله في الذبّ عنه، وطبعًا إن هذا إنما يكون فيمن يعلم أنه عصبته، أعني أنه ابن عمه أو ابن عمّ أبيه مثلًا، فأما عند الجهل فهذا السبب مفقود، فليسقط اعتبار ما بُني عليه من الميراث.

ثم استدل بالآيات التي سبق تفسيرها وإبطالُ ما ادَّعى دلالتها عليه، ثم قال (٢): "وكان عمر رضي الله عنه يتعجب من أن العمة تورث ولا ترث".

أقول: تعجبُ عمر من ذلك دليلٌ على أنها لا ترث، وبيانه أنه رضي الله عنه كان إمامًا صارمًا لا تأخذه في الله لومةُ لائم، فما بالُه يتعجب هنا تعجبًا؟ والتعجب إنما يكون عند رؤية شيء عجيب، والعجيب في الأحكام على وجهين:


(١) "الوراثة في الإسلام" (ص ١٤، ١٥).
(٢) المصدر نفسه (ص ١٩).