للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«الصحيحين» (١) وغيرهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: [١/ ٣٩٥] «إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد». وثبت عن فاطمة عليها السلام أنها لما وقفت صدقتها جعلتها لبني هاشم وبني المطلب. وكذلك فعل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

يقوم هذا الرجل في القرن الثاني فيدّعي هذا ويُعلنه، ويلهج به عارفوه وأصحابه وجماعة من عشيرته، ثم لا يثور عليه التكذيب والعقوبة من كثير من الجهات؟ بل ولا ينكر عليه أحد. هذا مع أن الرجل بغاية من النباهة، ولم يكن له ولا لأحد من أقاربه ما يُهاب لأجله ويُتقى من منصب في الدولة أو نحو ذلك. وقد كان في مبدأ أمره ولي بعض الولايات، وطار له صيت بالعدل والجود والقبول، فنُسِب إليه ترشيح نفسه للخلافة، فحُمِل إلى الخليفة العباسي هارون الرشيد. وجاء من غير وجه أنه خاطبه بقوله: نحن إخوتكم من بني المطلب، فأنتم تروننا إخوة. هذا، والعارفون بالأنساب ــ ولا سيما نسب قريش ــ في ذاك العصر كثير، وللرجل حُسَّاد يَحْرُقون عليه الأُرَّمَ (٢)؛ ومع ذلك قبِل الناسُ دعواه ووافقوه عليها، واستمرَّ الأمر على ذلك؛ تُسمَع موافقتُه من كل جهة، ولا يُحَسُّ وَجْسٌ بمخالفته إلى نحو مائتي عام.

ثم ماذا كان بعد ذلك؟ ذاك متفقه حنفيٌّ ملأه غيظًا تبجّحُ الشافعية بأن


(١) البخاري (٣١٤٠)، ولم أجده في «صحيح مسلم». وأخرجه أبو داود (٢٩٧٨)، والنسائي (٤١٣٧).
(٢) مثل يُضرب لشدة الغيظ، والأرّم: الأضراس.